فصل: تفسير الآيات (31- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة القيامة:

.تفسير الآيات (1- 6):

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
{لاَ أُقْسِمُ} في الموضعين معناه أقسم، ولا زائدة لتأكيد القسم، وقيل: هي استفتاح كلام بمنزلة ألا. وقيل: هي نفي لكلام الكفار {بالنفس اللوامة} هي التي تلوم نفسها على فعل الذنوب، أو التقصير في الطاعات، فإن النفوس على ثلاثة أنواع: فخيرها النفس المطمئنة وشرها النفس الأمارة بالسوء وبينهما النفس اللوامة، وقيل: اللوامة هي المذمومة الفاجرة، وهذا بعيد لأن الله لا يقسم إلا بما يعظم من المخلوقات، ويستقيم إن كان لا أقسم نفياً للقسم {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} الإنسان هنا للجنس، أو الإشارة به للكفار المنكرين للبعث، ومعناه أيظن أن لن نجمع عظامه للبعث بعد فنائها في التراب؟ وهذه الجملة هي التي تدل على جواب القسم المتقدم {بلى} تقديره نجمعها {الإنسان} منصوب على الحال من الضمير في نجمع، والتقدير: نجمعها ونحن قادرون {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} البنان الأصابع، وفي المعنى قولان: أحدهما أنه إخبار بالقدرة على البعث أي قادرين على أن نسوي أصابعه أي نخلقها بعد فنائها مستوية متقنة، وإنما خص الأصابع دون سائر الأعضاء لدقة عظامها وتفرقها، والآخر أنه تهديد في الدنيا، أي قادرين أن نجعل أصابعه مستوية، ملتصقة كيد الحمار وخف الجمل، فلا يمكنه تصريف يديه في منافعه. والأول أليق بسياق الكلام {بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} هذه الجملة معطوفة على أيحسب الإنسان، ويجوز أن يكون استفهاماً مثلها أو تكون خبراً، وليست بل هنا للإضراب عن الكلام الأول بمعنى إبطائه؛ وإنما هي للخروج منه إلى ما بعده، وليفجر: معناه ليفعل أفعال الفجور، وفي معنى أمامه ثلاثة أقوال: أحدها أنه عبارة عما يستقبل من الزمان، أي يفجر بقية عمره، الثاني أنه عبارة عن اتباع أغراضه وشهواته، يقال: مشى فلان قدامه إذا لم يرجع عن شيء يريده، والضمير على هذين القولين يعود على الإنسان، الثالث أن الضمير يعود على يوم القيامة. والمعنى يريد الإنسان أن يفجر قبل يوم القيامة.
{يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} أيان معناها متى وهذا السؤال على يوم القيامة هو على وجه الاستخفاف والاستعداد.

.تفسير الآيات (7- 9):

{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)}
{بَرِقَ البصر} هذا إخبار عن يوم القيامة، وقيل: عن حالة الموت، وهذا خطأ؛ لأن القمر لا يخسف عند موت أحد، ولا يجمع بينه وبين الشمس، وبَرق بفتح الراء معناه لمع وصار له برق وقُرئ بكسر الراء ومعناه تحيَّر من الفزع، وقيل: معناه شَخَصَ فيتقارب معنى الفتح والكسر {وَخَسَفَ القمر} ذهب ضوؤه، يقال: خسف هو وخسفه الله الخسوف للقمر والكسوف للشمس، وقيل: الكسوف ذهاب بعض الضوء، والخسوف: ذهاب جميعه، وقيل: بمعنى واحد {وَجُمِعَ الشمس والقمر} في جمعهما ثلاثة أقوال: أحدها أنهما يجمعان حيث يطلعهما الله من المغرب، والآخر أنهما يجمعان يوم القيامة، ثم يقذفان في النار، وقيل: في البحر، فتكون النار الكبرى. الثالث أنهما يجمعان فيذهب ضوؤهما.

.تفسير الآية رقم (11):

{كَلَّا لَا وَزَرَ (11)}
{لاَ وَزَرَ} أي لا ملجأ ولا مغيث.

.تفسير الآية رقم (13):

{يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)}
{بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} أي يجمع أعماله ما قدّم منها في أول عمره وما أخر في آخره، وقيل: ما تقدم في حايته وما أخر من سنة أو وصية بعد مماته، وقيل: ما قدم لنفسه من ماله وما أخر منه لورثته.

.تفسير الآيات (14- 15):

{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}
{بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} في معناه قولان: أحدهما: أنه شاهد على نفسه بأعماله، إذ تشهد عليه جوارحه يوم القيامة، والآخر: أنه حجة بينه لأن خلقته تدل على خالقه، فوصف بالبصارة مجازاً لأن من نظر فيه أبصر الحق، والأول أليق بما قبله وما بعده، كأنه قال: ينبؤ الإنسان يومئذ بأعماله بل هو يشهد بأعماله وإن لم ينبأ بها، وكذلك يلئتم مع قوله: ولو ألقى معاذيره، ويكون هو جواب لو حسبما نذكره {وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ} فيه قولان: أحدهما: أن المعاذير الأعذار أي الإنسان يشهد على نفسه بأعماله ولو اعتذر عن قبائحها، والآخر أن المعاذير: الستور، أي الإنسان يشهد على نفسه يوم القيامة ولو سدل الستور على نفسه في الدنيا، حين يفعل القبائح.

.تفسير الآيات (16- 19):

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}
{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} الضمير في به يعود على القرآن دلت على ذلك قرينة الحال، وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يحرك به شفتيه، مخافة أن ينساه لحينه، فأمره الله إن يُنصت ويستمع، وقيل: كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب عليه ذلك، وشق عليه فنزلت الآية والأول هو الصحيح. لأنه ورد في البخاري وغيره {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ضمن الله له أن يجمعه في صدره، فلا يحتاج إلى تحريك شفتيه عند نزوله، ويحتمل قرآنه هنا وجهين، أحدهما: أن يكون بمعنى القراءة فإن القرآن قد يكون مصدراً من قرأت، والآخر: أن يكون معناه تأليفه في صدره فهو مصدر من قولك: قرأت الشيء أي جمعته {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ} أي إذا قرأه جبريل، فاجعل قراءة جبريل قراءة الله؛ لأنها من عنده، ومعنى اتبع قرآنه اسمع قراءته واتبعها بذهنك لتحفظها، وقيل: اتبع القرآن في الأوامر والنواهي {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي علينا أن نبينه لك ونجعلك تحفظه، وقيل: علينا أن نبين معانيه وأحكامه، فإن قيل: ما مناسبة قوله: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} الآية، لما قبلها؟ فالجواب: أنه لعله نزل معه في حين واحد فجعل على ترتيب النزول.

.تفسير الآية رقم (20):

{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)}
{بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} أي تحبون الدنيا، وهذا الخطاب توبيخ للكفار، ومن كان على مثل حالهم في حب الدنيا، وكلا ردع عن ذلك.

.تفسير الآيات (22- 25):

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} بالضاد أي ناعمة، ومنه {نَضْرَةَ النعيم} [المطففين: 24] {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} هذا من النظر بالعين، وهو نص في نظر المؤمنين إلى الله تعالى في الآخرة، وهو مذهب أهل السنة، وأنكره المعتزلة وتأولوا ناظرة بأن معناه منتظرة، وهذا باطل؛ لأن نظر بمعنى انتظر يتعدى بغير حرف جر، تقول نظرتك أي انتظرتك، وأما المتعدي بإلى فهو من نظر العين، ومنه قوله: {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: 43] وقال بعضهم: إلى هنا ليست بحرف جر وإنما هي واحد الآلاء بمعنى النعم، وهذا تكلف في غاية البعد، وتأوله الزمخشري بأن معناه كقول الناس؛ فلان ناظر إلى فلان إذا كان يرتجيه ويتعلق به، وهذا بعيد وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في النظر إلى الله أحاديث صحيحة مستفيضة صريحة المعنى لا تحتمل التأويل فهي تفسير الآية {بَاسِرَةٌ} أي عابسة تظهر عليها الكآبة والبسور أشد من العبوس {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} أي مصيبة قاصمة الظهر، والظن هنا يحتمل أن يكون على أصله أو بمعنى اليقين.

.تفسير الآيات (26- 30):

{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)}
{إِذَا بَلَغَتِ التراقي} يعني حالة الموت، والتراقي جمع ترقوة وهو عظام أعلى الصدر، والفاعل ببلغت نفس الإنسان دل على ذلك سياق الكلام، وهو عبارة عن حال الحشرجة وسياق الموت {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} أي قال أهل المريض: من يرقيه عسى أن يشفيه؟ وقيل: معناه أن الملائكة تقول: من يرقى بروحه أي يصعد بها إلى السماء؟ فالأول من الرقية وهو أشهر وأظهر، والثاني من الرقيّ وهو العلو {وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق} أي تيقن أن ذلك الحال فراق الدنيا وفراق أهله وماله {والتفت الساق بالساق} هذا عبارة عن شدة كرب الموت وسكراته، أي التفت ساقه على الأخرى عند السياق، وقيل هو مجاز كقوله كشفت الحرب عن ساقها إذا اشتدت، وقيل: معناه ماتت ساقه فلا تحمله، وقيل: التفت أي لفها الكافر إذا كفر، وفي قوله: الساق والمساق ضرب من ضروب التجنيس {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} هذا جواب إذا بلغت التراقي، والمساق مصدر من السوق كقوله: {وإلى الله المصير} [آل عمران: 28].

.تفسير الآيات (31- 35):

{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)}
{فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى} لا هنا نافية وصدّق هنا يحتمل أن يكون من التصديق بالله ورسله أو من الصدقة، ونزلت هذه الآية وما بعدها في أبي جهل {يتمطى} أي يتبختر في مشيته، وذلك عبارة عن التكبر والخيلاء، وكانت هذه المشيئة معروفة في بني مخزوم الذين كان أبو جهل منهم {أولى لَكَ} وعيد وتهديد {فأولى} وعيد ثان ثم كرر ذلك تأكيداً، وروي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبَّبَ أبا جهل وقال له: إن الله يقول لك: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى. فنزل القرآن بموافقة ذلك».

.تفسير الآيات (36- 40):

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}
{أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى} هذا توبيخ ومعناه أيظن أن يترك من غير بعث ولا حساب ولا جزاء، فهو كقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115]، والإنسان هنا جنس، وقيل نزلت في أبي جهل، ولا يبعد أن يكون سببها خاصاً ومعناها عام {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى} النطفة النقطة وتمنى من قولك: أمني الرجل، ومعنى الآية: الاستدلال بخلقة الإنسان على بعثه، كقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [ياسين: 79] والعلق: الدم لأن المني يصير في الرحم دماً {فَخَلَقَ فسوى} أي خلقه بشراً فسوى صورته أي أتقنها {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى} هذا تقرير واحتجاج، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ آخر هذه السورة قال: بلى. وفي رواية: سبحانك اللهم بلى.

.سورة الإنسان:

.تفسير الآيات (1- 2):

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
{هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} هل هنا بمعنى التقرير لا لمجرد الاستفهام، وقيل: هل بمعنى قل، والإنسان هنا جنس، والحين الذي أتى عليه حين كان معدوماً قبل أن يخلق، وقيل: الإنسان هنا آدم، والحين الذي أتى عليه حين كان طيناً قبل أن ينفخ فيه الروح وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما قوله: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} وهو هنا جنسها باتفاق؛ إذ لا يصح هنا في آدم، والآخر أن مقصد آية تحقير الإنسان {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} أي أخلاط واحدها مشج بفتح الميم والشين وقيل: مشج بوزن عدل، وقال الزمخشري: ليس أمشاج وإنما هو مفرد كقولهم: برمة أعشار، ولذلك أوقع صفة للمفرد واختلف في معنى الأخلاط هنا فقيل: اختلاط ماء الرجل والمرأة، وقيل: معناه ألوان وأطوار، أي يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة {نَّبْتَلِيهِ} أي نختبره وهذه الجملة في موضع الحال، أي: خلقناه مبتلين له، وقيل: معناه نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} هذا معطوف على خلقنا الإنسان، ومن جعل نبتليه بمعنى نصرفه في بطن أمه فهذا عطف عليه، وقيل أن نبتليه مؤخر في المعنى أي جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه وهذا تكليف بعيد.

.تفسير الآيات (3- 7):

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل} أي سبيل الخير والشر ولذلك قسم الإنسان إلى قسمين شاكراً أو كفرواً وهما حالان من الضمير من هديناه، والهدى هنا بمعنى: بيان الطريقين، وموهبة العقل الذي يمي به بينهما، ويحتمل أن يكون بمعنى الإرشاد، أي هدى المؤمن للإيمان والكافر للكفر. {قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله} [النساء: 78] {سَلاَسِلاَ} من قرأه بغير تنوين فهو الأصل إذ هو لا ينصرف، لأنه جمع لا نظير له في الآحاد. ومن قرأه بالتنوين فله ثلاث توجيهات: أحدها أنها لغة لبعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا ما كان على وزن أفعل، والآخر: أن النون بدل من حرف الاطلاق، وأجرى الوصل مجرى الوقف، والثالث: أن يكون صاحب هذه القراءة رواية للشعر، قد عوّد لسانه صرف ما لا ينصرف فجرى على ذلك {الأبرار} جمع بار أو برّ، ومعناه العاملون بالبر وهو غاية التقوى والعمل الصالح حتى قال بعضهم: الأبرار هم الذين لا يؤذون الذر {مِن كَأْسٍ} ذكر في [الصافات: 45] معنى الكاس ومن هنا يحتمل أن تكون للتبعيض أو لابتداء الغاية {مِزَاجُهَا كَافُوراً} أي تمزج الخمر بالكافور، وقيل: المعنى أنه كافور في طيب رائحته كما تمدح طعاماً فتقول هذا مسك {عَيْناً} بدل من كافوراً على القول بأن الخمر تمزج بالكافور، أو بدل من موضع من كأس على القول الآخر، كأنه قال: يشربون خمراً خمر عين، وقيل: هو مفعول يشربون وقيل منصوب بإضمار فعل {يَشْرَبُ بِهَا} قال ابن عطية: الباء زائدة والمعنى يشربها، وهذا ضعيف؛ لأن الباء إنما تزاد في مواضع ليس هذا منها، وإنماهي كقولك: شربت الماء بالعسل لأن العين المذكورة تمزج بها الكأس من الخمر {عِبَادُ الله} وصفهم بالعبودية، وفيه معنى التشريف والاختصاص، كقوله: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً} [الفرقان: 63] {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} أي يفجرونها حيث شاؤوا من منازلهم تفجيراً سهلاً لا يصعب عليهم، وفي الأثر أن في قصر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة عيناً تفجر إلى قصور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين {مُسْتَطِيراً} أي منتشراً شائعاً، ومه استطار الفجر: إذا انشق ضوؤه.

.تفسير الآيات (8- 10):

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
{وَيُطْعِمُونَ الطعام} نزلت هذه الآية وما بعدها في عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فإنهم كانوا صائمين فلما وضعوا فطورهم ليأكلوه جاء مسكين فرفعوه له، وباتوا طاوين وأصبحوا صائمين، فلما وضعوا فطورهم جاء يتيم فدفعوه له، وباتوا طاوين وأصبحوا صائمين فلما وضعوا فطورهم جاء أسير فدفعه له، وباتوا طاوين، والآية على هذا مدنية لأن علياً إنما تزوج فاطمة بالمدينة، وقيل: إنما هي مكية وليست في علي {على حُبِّهِ} الضمير للطعام أي يطعمونه مع حبه والحاجة إليه فهو كقوله: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ففي قوله على حبه تتميم وهو من أدوات البيان، وقيل: الضمير لله، وقيل: للإطعام المفهوم من يطعمون والأول أرجح وأظهر {مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} قد ذكرنا المسكين واليتيم وأما الأسير ففيه خمسة أقوال؛ أحدها أن الأسير الكافر بين المسلمين ففي إطعامه أجر لأنه: «في كل ذي كبد رطبة أجر» وقيل نسخ ذلك بالسيف، والآخر: أنه الأسير المسلم إذا خرج من دار الحرب لطلب الفدية، والثالث أنه المملوك الرابع: أنه المسجون، الخامس: أنه المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً لأنهم عوانٍ عندكم» وهذا بعيد والأول أرجح؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير المشرك فيدفعه إلى بعض المسلمين ويقول له: أحسن إليه {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} عبارة عن الإخلاص لله، ولذلك فسروه وأكدوه بقولهم: {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً} والشكور مصدر كالشكر ويحتمل أنهم قالوا هذا الكلام بألسنتهم، أو قالوا في نفوسهم، فهو عبارة عن النية والقصد {يَوْماً عَبُوساً} وَصْفُ اليوم بالعبوس مجاز على وجهين: أحدهما: أن يوصف اليوم بصفة أهله كقولهم: نهاره صائم وليله قائم. ورُوي أن الكفار يعبس يومئذ حتى يسيل الدم من عينيه مثل القطران، والآخر يشبَّه في شدّته بالأسد العبوس {قَمْطَرِيراً} قال ابن عباس: معناه طويل، وقيل: شديد.